بقلم: عبدالرحیم شهریاری

ترجمة: حسين صافي

ملخص

العلّامة العارف بالله الملا عبد الله البهابادي اليزدي أحد العلماء الشيعة المتعدّدي المواهب والفنون. إذ كان في طليعة مجايليه وطارت شهرته في الآفاق بفضل إتقانه الشديد لعدد من العلوم مثل المنطق والفلسفة٬ ولم تقف مواهبه عند هذا الحدّ٬ بل كان هذا بعدًا واحدًا فقط في الشخصية العلمية لهذا العالم الرباني. فبالإضافة إلى علم المنطق٬ كان العلامة العارف بالله الملا عبد البهابادي ضليعًا بالفلسفة والكلام والفقه والتفسير٬ ناهيك عن أنّه كان عارفًا متألهًا. والمؤسف أنّ البعد العرفاني لهذا العالم الجليل لم يحظ بالاهتمام نفسه الذي حظيت به سائر الأبعاد الأخرى في شخصيته٬ لكنّا عندما نبحث في تراثه وندقّق النظر في مصنّفاته نجد أنّه ارتقى مراتب عليا في سلّم العرفان النظري والعرفان العملي على حدّ سواء. في هذه الورقة سوف نسلّط الضوء على مراحل هذا الارتقاء في السير والسلوك إلى الله في مجال العرفان النظري٬ وتوقه وعشقه لمعبوده وخالقه في مجال العرفان العملي من خلال البحث في مصنّفاته التفسيرية ونخصّ بالذكر منها تفسير «حاشية أنوار التنزيل».

الكلمات المفتاحية: الملا عبد الله، العرفان، حاشیة أنوار التنزیل.

 

 

مقدمة

الملا نجم الدین عبد الله بن شهاب الدین حسین البهابادی الیزدی هو بحقّ مفخرة عظيمة من مفاخر الحوزات العلمية الشيعية٬ وثروة فكرية ومعنوية مذخورة لمستقبل التشيّع لا سيّما طلبةالعلوم الدينية والباحثين في حقل العلوم الإسلامية. مردّ عظمة هذه الشخصية ليس فقط كتابه الشهير والنفيس "الحاشیه علی تهذیب المنطق" والمعروف بحاشية الملا عبد الله والذي يعدّ ثمرة تأملاته وحواشيه على كتاب "تهذیب المنطق" للتفتازاني. لقد أظهر الملا عبد الله في حاشيته قدرًا عظيمًا من الإحاطة الشديدة والإلمام الواسع انعكسا بجلاء في فهمه وتحليله لعلم المنطق كأداة ضرورية للوصول إلى فهم واضح للقضايا الفلسفية. يتميّز هذا الكتاب بعمق أغواره وثراء محتواه وشدّة تأثيره٬ ممّا وضع اسم الملا عبد الله في عداد القلّة القليلة من المصنّفين الذين احتفظت مصنّفاتهم بأهميتها وفرادتها على الرغم من مضيّ عدّة قرون على تصنيفها٬ فهو ما يزال يشكّل مصدرًا غنيًا ومبعث إلهام لطلبة العلوم الدينية والباحثين الدينيين كمنهج دراسي مقرّر في الحوزات العلمية٬ حتى أنّ بعض  الباحثين يعتقد أنّ "الحاشیة علی تهذیب المنطق" للملا عبد الله كان سببًا في شهرة کتاب "تهذیب المنطق" للتفتازاني. ولفرط الأهمية والاعتبار اللذين أحيطا بحاشية الملا عبد الله فقد دُونت الكثير من الحواشي عليه وصل عددها إلى أكثر من عشرين حاشية استعرضها الشيخ آغا برزك الطهراني في موسوعته الشهيرة «الذريعة». (1)

ولم تكن هذه الذخيرة العلمية الوحيدة للملا عبد الله٬ فقد كان يتمتّع بذكاء فائق مكّنه بفضل الألطاف الإلهية أن يُظهر قدراته في مجالات علمية أخرى٬ وبتصنيفه للعديد من الكتب العلمية برهن على كونه عالمًا جهبذًا له باع طويل في علوم مختلفة. وبالإمكان أن نحكم من خلال تراث هذا العالم الجليل في هذه العلوم المتفاوتة أنّه بالإضافة إلى المنطق٬ كان فيلسوفًا ومفسّرًا وفقيهًا ومتكلمًا أيضًا، بشهادة الشهيد مرتضى مطهري رحمه الله في كتابه "الإسلام وإيران: خدمات متقابلة" الذي شهد للملا عبد الله أنّه٬ على الرغم من مزاعم البعض٬ كان من أهل المعقول ومن أهل المنقول على حدّ سواء.(2)

الملا عبد الله البهابادي شخصية علمية من أهل المعرفة والفضل٬ كان عالمًا عاملًا بعلمه٬ لم ينعزل بعلمه ولم ينكفئ عن مجتمعه وعن رجال السياسة في عصره كما كان يفعل بعض العلماء. وبالنسبة لتعاطيه مع حكام عصره أعني ملوك الصفوية٬ أول دولة سياسية في إيران لم تضطهد الشيعة٬ بل دعمتهم وساندتهم أيضًا٬ أفتى بجواز تعاون علماء الشيعة معها ومساندتها. وعلى إثر هذه الفتوى عُيّن من قبل ملوك الصفوية خازن الحرم الشريف للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام)٬ وبذلك برهن على أنّه لا يوجد إشكال شرعي يمنع التعاون مع الحكومة السياسية إذا لم يكن من أهدافها القضاء على الفرقة الناجية٬ بل وقد يصبح هذا التعاون أولوية يمكن من خلاله مساعدة الناس وحل مشاكلهم. ومن الضرورة بمكان القول أنّ خصوصيات هذا العالم الرباني لم تقتصر على إلمامه العلمي الواسع في حقول المنطق والفلسفة والكلام والفقه والتفسير٬ بل الإحاطة بمقتضيات عصره أيضًا والتعاون مع الحكومة السياسية في ذلك الوقت.

أسباب عدم ذيوع صيت الملا عبد الله في مجال العرفان

البعد العرفاني هو أحد الخصوصيات المميّزة لصاحب الحاشية ومفخرة التشيّع الذي بقي مجهولًا وبعيدًا عن الأنظار إلى حدّ ما ولم تُسلّط عليه الأضواء. وقد يكون السبب في ذلك عدم تصنيفه لكتاب أو رسالة مستقلة في باب آداب العرفان وأحوال العرفاء. إذ من مجموع تصانيفه العشرين باللغتين العربية والفارسية لا يوجد له مصنّف مستقل في موضوع العرفان النظري أو العملي. ممّا يوضّح أنّ كلّ الذين أرّخوا لسيرته العلمية لم يخوضوا في البعد العرفاني من حياته٬ ولم يسلّطوا الضوء عليه. جرت عادة الباحثين وكتّاب السير والتراجم أن يحكموا على العالم أو صاحب السيرة من خلال مصنّفاته الرئيسية أكثر من أيّ شيء آخر. على سبيل المثال٬ الصورة الأكثر شهرة للشيخ الأكبر محيي الدين بن عربي هي أنّه أعظم متصوّف٬ كان شغله الشاغل العرفان والتصوف والتجارب الصوفية والواردات القلبية فقط٬ والحال أنّه برع٬ بالإضافة إلى التصوف٬ في جميع العلوم الدينية مثل  التفسير والحديث والفقه والسيرة٬ بل وفي علوم أخرى كالكيمياء والنجوم والجفر وحساب الجمل٬ وكانت له أيضًا قريحة شعرية ملهمة٬ وقيل أنّه ترك تراثًا ضخمًا يقدّر بخمسمائة مصنّف في مختلف العلوم.

أو مثلًا الشیخ زین ‌الدین بن علی بن أحمد العاملی  المعروف بالشهید الثانی، أحد مشاهير فقهاء الشيعة٬ الذي عُرف بكتابه الفقهي "الروضة البهیة فی شرح اللمعة الدمشقیة" وبه اشتهر كفقيه٬ بينما لم تؤخذ بعين الاعتبار جوانبه العلمية الأخرى مثل علم الكلام. ويبدو أنّ الشيء نفسه وقع للملا عبد الله البهابادي٬  فالتركيز على مصنّفه الأشهر "الحاشیة علی تهذیب المنطق" حجب الأضواء عن سائر أبعاده العلمية الأخرى ومنها عرفانه.   

أضف إلى ذلك٬ من بين الأمور المؤثّرة في تقليل الاهتمام بالبعد العرفاني للملا عبد الله نشاطاته ومسؤولياته الاجتماعية. فقد كان عالمًا يجمع بين العلم والعمل٬ ويتجنّب العزلة أو الانزواء. حمل على نفسه الهجرة من أصفهان حيث كان يسكن ليحط رحاله في النجف الأشرف من أجل إنجاز مهمة دينية اجتماعية وليس دينية بحتة. فما أكثر العلماء الذين آثروا العافية ورجّحوا التفرّغ للدروس والبحوث الحوزوية وتجنّب الدخول في معمعة الحوادث والعلاقات السياسية والاجتماعية في عصرهم. بينما الملا عبد الله كان عالمًا عاملًا ينفر من العزلة٬ وربما كان هذا سببًا في احتجاب بعده العرفاني عن الذين يقيسون عرفان المرء باعتزاله الناس وانزوائه. من وجهة نظر هؤلاء٬ من ينخرط في النشاطات السياسية والاجتماعية خطوة يبتعد عن العرفان خطوتين. لا سيّما إذا علمنا بأنّ الملا عبد الله عاش في عصرٍ ازدحمت فيه الفرق الصوفية وانتشرت في كل زاوية من إيران٬ وكانت تمارس طقوسها الخاصة في الخانقاوات بكل حرية٬ فحازت الثقافة الصوفية على حظوة كبيرة في المجتمع. في ظلّ هذه الأجواء٬ كانت العزلة بمثابة إحدى لوازم الصوفية وردّة فعل طبيعية إزاء الأوضاع٬ لا الهجرة من الوطن واختيار السكنى في بلاد أخرى للقيام بعمل ديني يكون بعده السياسي والاجتماعي أكثر بروزًا وتعيينًا من بعده الديني.            

استكمالًا للعامل أعلاه٬ هناك عامل آخر يُطرح في تعليل عدم إبراز البعد العرفاني لصاحب الحاشية أعني سابقته في خدمة البلاط الصفوي بصورة خاصة وتعيينه في منصب خازن الحرم الشريف للإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) من قبل الملوك الصفويين. يُنقل أيضًا أنّ صاحب الحاشية كانت تربطه علاقات طيبة بالحكام العثمانيين. في العصور القديمة راجت فكرة خاطئة في أوساط بعض الحوزويين مفادها أنّ أيّ تعاون مع الحكام السياسيين يعدّ أمرًا مذمومًا ومخالفًا للشريعة. واستدلّ أصحاب هذا الرأي لقولهم بأنّ جميع الحكومات بعد عصر غيبة الإمام المهدي (عج) إنّما هي حكومات غاصبة لحقّ الإمام المعصوم (عليه السلام)٬ وبناًء عليه٬ يُحرم أيّ تعاون معها٬ وتبوّوء المناصب الحكومية يشكّل٬ في الحقيقة٬ إعانة الحكومة الغاصبة٬ لذا من يعمل ذلك يرتكب فعلًا محرّمًا. يعتقد هؤلاء أنّه لا ينبغي للعارف في عصر غيبة الإمام المهدي (عج) أن يقرب الحكومة أو أن تربطه أيّ علاقة معها. إنّهم يخلطون بين الحكومات الجائرة والظالمة للشيعة والحكومات التي تساعد على بسط التشيّع ونشره. فحكم التعاطي مع الحكومات ليس واحدًا وشاملًا٬ وإنّما يختلف باختلاف الظروف والأوضاع٬ فمثلًا الإمام موسى الكاظم (عليه السلام) أجاز لعلي بن يقطين٬ أحد تلامذته وأصحابه٬ العمل في بلاط هارون العباسي ليتسنّى له من هذا الطريق مساعدة اليتامى والمحرومين ودعمهم. من هذا المنطلق٬ لم يكن الملا عبد الله العالم الوحيد الذي تعاون مع الدولة الصفوية٬ بل هناك الكثير غيره ممّن ولجوا هذا المجال٬ على سبيل المثال المحقق الکرکى، الشیخ حسین العاملى، الشیخ على المنشار، الشیخ البهائى والعلامة محمد باقر المجلسى٬ كل هؤلاء تعاونوا مع الدولة الصفوية وكانت تربطهم بها علاقات متينة٬ حتى أنّ بعضهم نال لقب شيخ الإسلام في العهد الصفوي (3). النقطة الجديرة بالذكر هي أنّ تعاون هؤلاء العلماء مع الدولة الصفوية كان من عوامل تحكيم التشيّع وترسيخه وتقنينه٬ وبالتالي الاعتراف بالمذهب الإمامي الإثني عشري كمذهب رسمي في إيران.

ربما تكون الأسباب التي ذكرناها غير مبررة لكنّها مع ذلك حالت دون بروز واحدة من أهم الخصوصيات في شخصية الملا عبد الله البهابادي. سوف نسعى في هذا البحث٬ قدر المستطاع٬ إماطة اللثام عن البعد العرفاني لهذا العالم المتألّه صاحب الذكر والخلوة. 

البعد العرفانی للملا عبد الله البهابادی

ذكرنا سابقًا أنّ الملا عبد الله لم يصنّف كتابًا مستقلًا في العرفان النظري أو العملي٬ كما لم يبادر إلى تدوين حواشٍ على أيٍّ من كتب العرفان في عصره  أو مصنّفات من سبقوه من العلماء. ولا يشكّل هذا دليلًا على أنّه ضرب صفحًا عن الموضوعات العرفانية البتة٬ بل ربما كان دليلًا على مدى تواضع هذا العالم الصمداني٬ إذ عزف عن تدوين مباحث كانت لتشكل شاهدًا ناطقًا على قدراته العلمية وإبراز مهاراته لكنّه لم يفعل. ولأجل الوقوف على مدى إحاطته العلمية واهتمامه العملي بالعرفان٬ يستلزم ذلك الرجوع إلى تراثه الباقي وكذلك سيرته العملية.

إنّنا نقطع جازمين أنّ الكتابات العرفانية للملا عبد الله لا تقف عند حدّ ما ورد في درّة المعاني٬ مثلًا٬ حول وحدة الحمد والحامد والمحمود يقول:

"جميع المحامد ... من أيّ حامد كان، على أيّ محمود عليه كان، فهو لله تعالى".(4)

هذا الكلام ينطوي على دلالة مفادها أنّه من وجهة النظر العرفانية للملا عبد الله٬ جميع المحامد٬ أيّا كان قائلها أو فيم قيلت٬ تعود في النهاية إلى الله تعالى٬ فهو خالق الوجود وكل فعل يجري في نطاق هذا الوجود. إنّ جمع الآراء العرفانية للملا عبد الله يستلزم دراسة جميع مصنّفات هذا العالم المتألّه من هذه الزاوية العرفانية.

ومن بين مصنّفات صاحب الحاشية٬ تطفح مصنفاته التفسيرية٬ بالأخصّ تفسيره الموسوم "حاشیة أنوار التنزیل" بالكثير من التأمّلات العرفانية التي تعبّر عن وهجه وشوقه الباطني. ولعلّ استعراض أمثلة لهذه التأمّلات والتوجهات يبيّن مدى نزوع هذا العالم العامل نحو عوالم الغيب والشهود والاتصال الروحاني بربّ الأرباب وانصرافه عمّن سواه. في الحقيقة أنّ "حاشیة أنوار التنزیل" مصنّف تفسيري يتضمّن خلاصة آراء وتأمّلات الملا عبد الله البهابادي اليزدي على الباب الأول من التفسير  الموسوم «أنوار التنزیل وأسرار التاویل» المشهور بتفسير البيضاوي لعبد الله بن عمر بن محمد بن علی الشیرازی الإمام ناصر الدین أبو سعید القاضی البیضاوی (المتوفی ۶۸۵ أو ۶۹۱ هـ). ترجم الشیخ آغا بزرك الطهراني لـ"حاشیة أنوار التنزیل" تحت عنوان "تفسیر الشهابادی"٬ وقد عدّ البعض هذا خطأ ارتكبه الطهراني. يضمّ هذا الكتاب النفيس مباحث على درجة كبيرة من الجودة والاتقان في تفسير القرآن الكريم٬ ويمكن أن نلاحظ التأملات العرفانية للعلامة الملا عبد الله في كل موضع من مواضع الكتاب تقريبًا.

يمهّد العلامة البهابادي لتفسير "حاشیة أنوار التنزیل" بالقول أنّ النسبة بين عالم الملك والملكوت٬ كنسبة القطرة إلى البحر: "والملک ما یُدرک بالحسّ و یقال له عالم الشهادة٬ و الملکوت ما لا یُدرک بالحسّ و هو عالم الغیب و عالم الأمر و ... عالم الشهادة بالنسبة إلی عالم الغیب کالقطرة من البحر اللجّي٬ سمی الأول مُلکًا و الثاني ملکوتًا" (5). عالم المُلك هو عالم الشهادة٬ وهو يُدرك بواسطة القوى الحسّية في الإنسان٬ أمّا الملكوت أو عالم الغيب فهو عالم لا تُدرك خصائصه ولا يمكن ولوجه بالحسّ أو الحواس الظاهرية. وبناًء على هذا٬ فالعلاقة بين الاثنين علاقة القطرة بالبحر العميق إذ إنّ الإنسان الذي لا يرتقي لأبعد من إدراكه الحسي٬ لن يقوى على الغوص في هذا البحر اللجّي ليصطاد صدفات العلم والمعرفة.  ولكي يغوص في أعماق بحر المعارف الإلهية عليه ينطلق نحو آفاق الإدراك المعنوي حتى يصل وادي الملكوت.

في تفسيره لسورة الحمد المباركة يسبر أغوار العرفان بقوله أنّ استهلال هذه السورة المباركة يقوم على مبادي حال العارف في بدايات مراحل السير والسلوك العرفاني:

"بني أول الکلام أي من البسملة أو الحمد له أي قوله مالک یوم الدین علی ما هو مبادي حال العارف في أوائل السلوک"

ثم يشرع بشرح هذه المراحل:

"مبادي حال العارف في أوائل السلوک من الذکر والفکر والتأمّل في أسمائه کما یشعر به البسملة أو الحمد والنظر في الآیة کما یظهر من الرحمن الرحیم والاستدلال بصنایعه٬ کما یظهر من رب العالمین و في قوله علی عظم شأنه نوع إیماء إلی قوله مالک یوم الدین وقفّی بالتشدید أي اتبع و عقب و التجه معظم الماء شبه مقام الوصول و قضاء للعروج إلیه بالبحر علی طریق الاستعاذه ... و أثبت له التجه تخیلا و الخوض ترشیها و المشاهدة عند أصحاب القلوب سقوط الحجاب رأسا و هي أعلا رتبة من المکاشفة علی ما قاله صاحب منازل السایرین لأن المکاشفة متعلق بالعیوب و الصفات و تلک تتعلق بالعین و الذات٬ و لا یذهب علیک أنّه یمکن جعل کلامه نکتة ثانیة یختص بها هذا الالتفات لا من تتمة النکتة الأولی حاصلها أنّ الکلام في هذه السور ینطبق بسبب هذه الالتفات علی قانون السلوک إلی الله سبحانه٬ و یجری علی وفق حال السالک من أول سیره إلی حین وصوله٬ فکأنّها ترکت لبیان آداب السیر إلی أعتابه٬ و تعلیم ما یتوصل به إلی العروج إلی جنابه٬ و تبین ما هو یتجه ذالک السیر و ثمرته من المقامات العزیزة المنازل و الغایات التی لا یکشف عنها المقال٬ و لعلها بهذا المزیة و حب قرائتها في الصلوة التي هي معراج العبد..." (6). يكشف العلامة العارف البهابادی بوضوح في هذه الفقرة الشریفة من تفسيره أنّه بحقّ من أهل السير والسلوك العرفاني٬ وملمّ جيدًا بمقامات العرفان وطرقه ومسالكه ولوازمه. بل إنّه يتقدّم خطوة للإمام في هذا الطريق حين يعتبر أنّ الفقرات الأولى من فاتحة الكتاب وخاصة «الحمد لله» و«مالك يوم الدين» مجلى لفتح باب السير والسلوك٬ ومن إرهاصات الذكر والفكر والتأمّل في الأسماء الإلهية. بمعنى أنّ التأمّل والتفكر في الأسماء الإلهية هو من لوازم الشكر على السالك فتسوقه صوب ذكر «مالك يوم الدين». كما أنّ هذا التأمّل والتفكر العرفاني يهدي السالك في وادي العرفان إلى ذكر صنائع الحقّ تعالى أي العالمين وكذلك يوم الدين؛ لينتهي به هذا السير إلى الوصول الإلهي والعروج صوب حضرة الباري. وهنا ترتفع الحجب بين العاشق والمعشوق عندما يبلغ سالك طريق العرفان أعلى مراحل المكاشفة الإلهية٬ أي إنّ السالك في هذه المرحلة سيكون قادرًا على الاتصال بالذات الإلهية المقدسة٬ بخلاف المراحل الأولى من المكاشفة حيث يرتفع الحجاب عن عين السالك فقط ليرى بعض صفات المعشوق عيانًا. ولأجل هذه المقارنة ومقاربة آيات فاتحة الكتاب الكريمات لمراحل السلوك من البداية حتى الوصول والعروج تكون قراءة هذه السورة في الصلاة التي هي معراج العارف محبّبة وأثيرة على قلبه.    

ومن ثمّ يتناول العلامة العارف البهابادی شروط الصلاة والمعراج العرفاني فيقول:

"... إنّ القراءة ینبغی أن تکون صادرة من قلب حاضر و تأمل وافٍ بحیث یجد القاری عند الشروع فیها محرکًا للإقبال علی المنعم الحقیقي الذي أنطق لسانه بتحمیده٬ ووفّقه للقیام بتمدیحه٬ ثمّ کلما جرت علیه صفة من تلک الصفات العظام قوي ذالک المحرک و ازداد حتی اذا انتهى الی خاتمها من مالکیة الأمر کله یوم المعاد٬ تناهی في القوة الاشتداد٬ دلّ الأمر بالضرورة إلی رفع الحجاب و الإقبال علیه بالخطاب..." (7).

يقول العلامة:

"حريّ بالعبد أن يقرأ كلمات الصلاة٬ وخاصة ما ورد في فاتحة الكتاب بقلب خاشع وذهن حاضر بحيث يشعر قارئ هذه الآيات في داخله بالشوق والوجد والحماس للمنعم الحقيقي الذي يشكره٬ وخطوة بخطوة ولحظة بلحظة سيزداد شوقًا وولهًا وهو يتلو صفات المعشوق مثل "رب العالمين"٬ "الرحمن" و"الرحيم" حتى يصل "مالك يوم الدين" فيُرفع الحجاب الحائل بين العاشق والمعشوق٬ وإذ يرى العارف السالك نفسه في حضور بلا حجاب، يتحوّل خطابه إلى المعشوق من صيغة الغائب "الرحمن الرحيم" إلى صيغة الحاضر "إیاک نعبد وإیاک نستعین".

ويتابع العلامة العارف البهابادي كلامه قائلًا:

"إنّ الحمد لمّا کان عبارة عن إظهار الصفات الکمالیة و النداء علی الجمیل کما قاله من الکشاف یکون المخاطب به غیره تعالی٬ إذ لا معنی لإظهار صفاته العلیا علیه جلّ شأنه٬ فالمناسب له طریقة الغیب٬ و أمّا العبادة و الاستعانة فلا وجه لإظهارها علی الغیر بل ینبغی کتمانها عن غیر المعبود والمستعان و عدم إظهارها لأحد سواه٬ لیکون أقرب إلی الإخلاص٬ و أبعد عن الریاء٬ فالمناسب لها طریق الخطاب لا غیره" (8).

إذن٬ يشرح العلامة سبب الخطاب بصيغة الغائب في الفقرات الأولى من سورة الحمد٬ وكأنّ القارئ يتحدّث إلى شخص غائب٬ ثم يتحوّل الخطاب بدءًا من "إياك نعبد" فما بعد إلى صيغة المخاطب الحاضر٬ ويفسّر هذا التحوّل بلحاظ المعنى العرفاني للمسألة فيقول: عندما يثني العبد على ربّه فذلك في مقام بيان صفات الحق الكمالية لغيره عزّ وجلّ٬ فمن غير المناسب أن نقرأ عليه صفاته. والحال عندما نعبد الله ونستمد العون من ساحة قدسه٬ فلا وجه لعرض ذلك على غير الله٬ بل الأولى كتمان هذه الأمور عن غيره٬ لتخلص العبادة بهذه الطريقة٬ ونبتعد عن الرياء. وفي كلام آخر (9) يفيض بالسموّ الروحي والمعنوي وقرب الدرجات والارتقاء والتحليق في مراحل السير والسلوك إلى الله يقول العلامة العارف ر حمه الله: لولا مراعاة الأصول وآداب الكلام وهو دأب السالكين وقانون العاشقين٬ لحُقَّ أن يجري الكلام منذ البداية في صيغة المخاطب الحاضر ٬ لأنّ الله تعالى حاضر وشاهد٬ الحاضر الذي لا يغيب أبدًا٬ والأقرب إلى الإنسان من أيّ قريب٬ وهو تعالى القائل: أنا جليس الذاكرين٬ ولكن ينبغي الانتباه إلى أنّ "طرق العشق کلها آداب" (10) ومن الضرورة بمكان مراعاة آداب العشق في مقام التعشّق.

إذا قيل: ليس كل عبد عارفًا ليخاطب المعبود في صيغة الحاضر٬ نردّ عليه: ورد في الحديث الشريف: "من تشبّه بقومٍ فهو منهم" (11). وبناًء على هذا التشبّه بقومٍ يتحدّثون إلى معبودهم بلسان الحال والحضور والشهود٬ يحدونا أمل أن نكون منهم.

بعد هذه الكلمات المفعمة بالشوق والروحانية يصف لنا العلامة العارف البهابادي ذروة المعراج العرفاني للسالك أثناء الصلاة على هذا النحو:

"إنّ المقام مقام عظیم٬ و خطب جسیم٬ يتلجلج فیه اللسان٬ و یدهش الانسان٬ فإنّ الملک العظیم الشأن إذا مرّ بعض عبده بخدمة من الخدمات کقراءة کتاب مثلا بحضرته٬ فربما غلبت مهابة ذالک الملک علی قلبه٬ و استولت عظمته علی لبه٬ و حصلت له رعشته٬ و اعتراه دهشته٬ فتغیّر نسق کلامه٬ و یخرج عن أسلوبه و نظامه"(12).

من ثمّ يذكر العارف الکامل البهابادي الحديث الشريف: "اعبد الله کأنّک تراه" ويقول: "و فی هذا الالتفات ایماء إلی ذالک و استعار بأنّ العبادة السالمة عن القصور هي ما یکون العابد حال الاشتغال بها مستغرقًا في بحر الحضور٬ کأنّه مشاهد لجناب معبوده٬ مطالع کمال مقصوده" (13).

وفي مثل هذه الصلاة قيل: "کان العارفون بالله یعتبون حال اشتغالهم بالصلوة عن ذواتهم و جمیع احوالهم و صفاتهم٬ و لم یکن لهم شعور بما سوی الحق تعالی٬ متی لو قُرضت لحومهم بالمقاریض لم یشعروا بذالک اصلا٬ کما هو مشهور عن أمیر المومنین و یعسوب الدین علیه السلام انهم یستخرجون النصال من جسده الشریف حال اشتغاله بالصلوة فلا یحسّ بذالک. و عن علي بن الحسین زین العابدین علیهما السلام أنه وقع الحریق فی بیت کان یصلي فیه فجعلوا یصيحون: یا ابن رسول الله٬ یا ابن رسول الله٬ النار النار! فما رفع رأسه من سجود حتی أطفئت فقال له بعض اصحابه ما الذی شغلک عنها یا ابن رسول الله؟ فقال: "نار الآخرة" (14).

في غمرة هذه الصلاة العاشقة التي لا يغفل فيها العاشق عن صفاته فحسب وإنّما عن ذاته أيضًا ويطوي كشحًا عن كل ما سوى الله بحيث حتى لو قطّعتَ جسده وجرحته لن يشغله ذلك عن معبوده٬ فالروايات تذكر بأنّ الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) كان قائمًا للصلاة ومتماهيًا في الملكوت الأعلى لدرجة لم ينتبه إلى أصحابه وهم يخرجون السهم من رجله الشريفة٬ وكذلك الإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليه السلام) الذي اشتعلت النيران في بيته لكنّه انشغل عنها بالصلاة وتعالت صرخات رجاله: النار النار٬ لكنّه تلهّى عنها بمناجاة ربّه٬ وطبعًا استغرق إطفاؤها وقتًا٬ وحينما سُئل من أصحابه ما الذي شغلك عن النار؟ أجابهم: "نار الآخرة".

يتابع العارف البهابادي بأنّ مثل هذه العبادة تطرد وساوس الأنانية من الإنسان٬ وتحلّق به نحو ذرى البهجة والسرور المعنوي٬ وصولًا إلى المعشوق الأبدي٬ كما ورد في الحديث القدسي في وصف السالك إلى الله: "..كنتُ سمعه الذي يسمع به٬ وبصره الذي يبصر به" (15). المواظبة على هذه العبادات مدعاة لرفع الحجب الظلمانية٬ واضمحلال الأغيار٬ حينئذ لا يرى السالك شيئًا غير الجمال المطلق للمعشوق٬ وهذا السلوك هو الذي يوصل إلى مقام الجمع كما في الآية الشريفة "أیْنَما تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللهِ" (سورة البقرة: آیة 115).       

في تفسيره للآية الكريمة (لا ريب فيه هدىً للمتّقين)(سورة البقرة، آیة 2) يذكر العارف البهابادي رواية للإمام الحسن (عليه السلام) ينقل عن جدّه الرسول الأكرم (ص) قوله في الشك والريب: "... إنّ تحصیل المعارف الحقیقیة لا ینبغي أن یکون بطریق الاستدلال و القیل و القال٬ إذ مؤدّی ذالک هو الشک و عدم الثبات کما قال فی المسنوی {المثنوی} "پاي استدلاليان چوبين است" (أي قوائم أهل الاستدلال والبرهان من خشب) بل ینبغی تحصيلها من طریق الذوق و الکشف والسلوک٬ فهو الذي یخرج من ظلمة الأوهام و الشکوک٬ و به تصیر النفس مطمئنة غیر مترددة و لا متزلزلة٬ بل ثابتة راضیة مرضیة وفّقنا الله سبحانه و سائر الأحباب لتحصیل هذه الحالة العلیة بمنّه و کرمه" (16).

في هذه الفقرة من تفسيره يبيّن هذا العارف الكبير بوضوح إنّه وإن كان له باع طويل في المنطق والفلسفة٬ وأفنى عمرًا في الاستدلال والقياس والبرهان٬ إلّا أنّه يؤمن في قرارة قلبه بأنّ طريق العقل والبرهان والدليل طريق مضلّ يؤدّي في نهايته إلى الشك وعدم الثبات٬ مستشهدًا بشطر من بيت شعري في كتاب «المثنوي» لمولانا جلال الدين الرومي. نعم٬ كان الملا البهابادي أستاذ عصره في المنطق والفلسفة٬ لكنّه لم يغفل عن العرفان أبدًا٬ وكان يعتقد أنّ طريق بلوغ المعارف الحقيقية لا يمرّ عبر الاستدلال والصغرى والكبرى المنطقية والفلسفية٬ أو على حدّ تعبيره القيل والقال بل عبر الذوق العرفاني والمكاشفات القلبية والسلوك المعنوي. كان يرى وجوب تبديل ظلمة الشك والترديد إلى نور بالاستناد إلى الكشف الشهودي والعيني٬ وبهذه الطريقة ننجو من ظلمة الشك والترديد ونرتقي إلى مقام الراضية المرضية كما وعد الله تعالى في كتابه الكريم.

في تفسيره يردّ على بعض الشبهات الكلامية من خلال العرفان وتبنّي القواعد المتداولة عند أهله. ويشير بالمناسبة إلى هذا الإشكال وهو أنّ وصف الله بالرحمانية والرحيمية قد يخلق شبهة أنّ الله يرقّ ويلين عندما يشاهد حالة العبد المزرية فيشمله برحمته٬ بما يوحي أنّه تعالى يتأثّر وينفعل٬ والله منزّه عن التأثّر بأيّ شيء أو التغيّر٬ تعالى ربّنا عن كل ذلك علوًا كبيرًا. ارتأى العلامة البهابادي أن يدحض هذه الشبهة عن طريق العرفان فاستند إلى قول العرفاء "خذ الغایات و احذف المبادی" (17) أي أنّ وصف ذات الباري بهذه الصفات هو٬ كما يقول العرفاء٬ من باب وصف الغايات لا المبادي٬ بمعنى أنّ لطف الله تعالى وإحسانه لعباده هو أن نخاطبه بالرحمن لا من باب تغيّر حاله أو تأثّره أو انفعاله وهو منزّه عن ذلك كلّه.

لقد دأب العلامة البهابادي في تفسیر "حاشیة أنوار التنزیل" على الاستناد إلى الآيات والأحاديث والروايات العرفانية ومختلف الملاحظات الشهودية وأقوال العرفاء والقصص العرفانية. فمثلًا في شرحه لمراتب السعادة يقول: "و قریب مما نحن فیه ... ما قاله بعض العارفین من کان نظره في وقت النعمة إلی المنعم لا إلی النعمة کان نظره وقت البلاء إلی المبلي لا إلی البلاء٬ فیکون في جمیع حالاته غریقًا في ملاحظة الحق٬ متوجهًا إلی الحبیب المطلق وهذا أعلی مراتب السعادة".(18)

وكان يحاكي أهل العرفان والمراقبة والسلوك عند حديثه عن المقامات العرفانية ويستعمل عبارات مثل السیر إلی الله، الفناء في الله، المحو، الوصول وغيرها.(19)  

وعندما يريد الاستدلال لأقواله أو الإتيان بشواهد يستند إلى أقوال بعض العرفاء. مثلًا في تفسیر الحمد الله يشرح كيف أنّ الله تبارك وتعالى يقبل أذكار العباد وكذلك حمدهم وثنائهم على الرغم من أنّها لا ترقى البتة إلى شأن الحقّ تعالى ولا تقاس بعلوّ مقامه عزّ وجلّ، مبيّنًا أنّ قبول حمد وثناء عباده هي من رحمة الله وفضله على عباده لا من كمال حمد الحامدين، ومن ثمّ يذكر بيتًا للعارف جلال الدين الرومي يقول فيه:

"این قبول ذکر تو از رحمت است           چون نماز مستحاضه رخصت است"

(المعنى أنّ قبولك ذكر عبادك هو من ألطافك ورحمتك كما ترخيصك الحائض من الصلاة).

وفي موضع آخر يبيّن كيف يهيم العرفاء في الملكوت عند مخاطبتهم لمعبودهم الأزلي٬ ويستعرض بعض الأمثلة ثمّ يثني على العارف جلال الدين الرومي ويستشهد ببيتين له قائلًا: "و ما أحسن قول العارف الرومی في المثنوي المعنوي

هرکسی پیش کلوخی جامه چاک             که آن کلوخ از حسن آمد جرعه ناك

باده خاک آلودتان مجنون کند                 من چگویم صاف آن خود چون کند" (21).

بالإضافة إلى العرفان النظري٬ برع العلامة البهابادي في العرفان العملي أيضًا وحلّق في ذراه. لكنّ المؤسف هو الافتقاد إلى معلومات وافية عن حياة هذا العارف الجليل وسيرته العملية٬ ومع ذلك يمكن أن نستشف من النزر اليسير من المعلومات الواردة في بعض المصادر  أنّ صاحب الحاشية الذي عُرف بشكل رئيسي كمنطيق وفيلسوف وبذهنه الحادّ والفلسفي٬ كان أيضًا على درجة كبيرة من الدرك والشهود العرفاني. مثلًا نشير هنا إلى قصة نقلها الميرزا محمد بن سليمان التنكابني في كتاب قصص العلماء حول العلامة٬ إذ يقول:

من بين كرامات الملا عبد الله اليزدي أنّه كان في أصفهان٬ وقد مرّ شطرٌ من الليل٬ فتوجّه بنظرة باطنية إلى مدينة أصفهان وقال لمن معه: شدّوا الرحال سنترك هذه المدينة على عجل٬ إنّي أرى بضعة آلاف من موائد اللهو والشراب قد نُصبت فيها٬ وإذا ما نزل بها عذاب الله فسوف يصيبنا نحن أيضًا. وبالفعل حزم أتباعه متاعهم وركب الملا عبد الله راحلته لترك المدينة.

عند السحر وهو يهمّ بالرحيل مع أصحابه٬ رمق الملا عبد الله مدينة أصفهان مرة أخرى بنظرة باطنية وقال لمن معه: عودوا٬ إنّي أرى بضعة آلاف قائمين على سجاداتهم لإقامة صلاة الليل٬ وقد عدلوا هذه بتلك. فعاد أدراجه إلى المنزل الذي كان يقيم فيه بالمدينة.(22)             

نتيجة البحث:

خلاصة الكلام٬ كان العلامة العارف الملا عبد الله البهابادي اليزدي أحد العلماء الشيعة المتعدّدي المواهب والفنون. كان ملمًّا بعلوم عديدة مثل المنطق والفلسفة٬ وقد بزّ أقرانه في عصره ولم يضارعه أحد فيما حباه الله من مواهب٬ وليس هذا سوى بعد واحد في شخصية هذا العالم الرباني التي اشتملت على أبعاد أخرى كثيرة مثل المنطق والفلسفة والكلام والفقه والتفسير وطبعًا العرفان. والبعد الأخير أعني العرفان قد أُهمل كسائر أبعاده الأخرى. وإذا ما تأمّلنا ودقّقنا في تراثه الثرّ سوف نجد أنّه قد ارتقى أيضًا سلّم العرفان النظري والعملي وبلغ مراتب عليا فيهما٬ تشهد بذلك مصنّفاته التفسيرية وبشكل خاص تفسيره الموسوم "حاشیة أنوار التنزیل" والذي يعكس إلمامًا كبيرًا بمراحل السير والسلوك في العرفان النظري٬ وأنّه بلغ الذروة في العرفان العملي وفي توقه إلى المعبود٬ لا سيّما عندما يختم بحثه العرفاني بالدعاء: "اللهم هب لنا نفحة من نفحات قدسک تکشف عن بصائرنا الغواشی الجسمانیة٬ و تصرف عن ضمائرنا النواشی الهیولانیة٬ و اجعل قلوبنا وقفًا علی ملاحظة جلالک طلقا فی مطالعة جمالک حتی لا تطمح إلی من سواک بنظر و لا تقف له علی عین  و لا أثر٬ و اجمع بیننا و بین اخوان الصفا فی دار المقامة٬ و ألبسنا و إیّاهم حلل الکرامة في یوم القیامة٬ إنّک جواد کریم". (23).

 

 

 

 

 

 

المصادر:

  • آغ‍ا ب‍زرك‌ الطه‍ران‍ی، ‌ال‍ذری‍عة‌ إل‍ی‌ ت‍ص‍ان‍ی‍ف‌ ال‍ش‍ی‍عة‌، الن‍ج‍ف الأشرف، ‌م‍ک‍ت‍بة‌ ص‍اح‍ب‌ ال‍ذری‍ع‍ه‌ ال‍ع‍ام‍ه‌، ج 6، صص 60 و 62.
  • م‍رت‍ض‍ی‌ م‍طه‍ری، خ‍دم‍ات‌ م‍ت‍ق‍اب‍ل‌ اس‍لام‌ و ای‍ران‌، ط‍ه‍ران‌: ص‍درا، 1362.
  • ادوارد براون، تاریخ ادبیات ایران از صفویه تا عصر حاضر، ترجمة: بهرام مقدادی، طهران: مروارید، 1369.
  • ملا عبد الله بهابادی، دره المعانی (مندرج در رسائل فى تفسير سوره الفاتحه)، ص83.
  • الملا عبد الله البهابادی، حاشیة أنوار التنزیل، مکتبه الامام الحکیم العامه، قسم المخطوطات، ص 4.
  • المصدر السابق، ص 38.
  • المصدر السابق، صص 38 و 39.
  • المصدر السابق، ص 39.
  • المصدر السابق، ص 39.
  • المصدر السابق، ص39.
  • المصدر السابق، ص 40.
  • المصدر السابق، ص 39.
  • المصدر السابق، ص 39.
  • المصدر السابق، صص 43 و 44.
  • المصدر السابق، ص 40.
  • المصدر السابق، ص 67 و 68.
  • المصدر السابق، ص 24.
  • المصدر السابق، ص 44.
  • المصدر السابق، ص 48.
  • المصدر السابق، ص 29.
  • المصدر السابق، ص 44.
  • تنکابنی، میرزا محمد بن سلیمان، قصص العلماء، ص 174.
  • حاشیة انوار التنزیل، ص 41.

 

 

       

الأستاذ المساعد الدكتورة أحلام مجلي الشبلي

أستاذة الفلسفة الإسلامية والمنطق في كلية الآداب جامعة الكوفة

 

تعد حاشية الملا عبدالله اليزدي في المنطق من اهم الحواشي التي جاءت لشرح وتوضيح مفردات ...

بقلم: رضا باذلي*

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

يقسّم الحكماء المسلمون العلم الحصولي إلى تصوّر وتصديق٬ وكل منهما إلى بديهي ونظري. فالتصديق البديهي يطلق على مجموعة التصديقات والقضايا التي تحصل دونما حاجة ...

حاشية الملا وكتاب "الجوهر النضيد" للعلامة الحلي: دراسة مقارنة

بقلم: عبد الرضا عسکری وادقانی*

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

العلامة الحلي أشهر علماء الشيعة في القرن الثامن الهجري٬ دوّن العديد من ...

«حاشية» الملا عبد الله و«المنطق» للعلامة المظفر

دراسة مقارنة

بقلم: محمد رشیدزاده*

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

كتاب «الحاشیة» للملا عبد الله و «المنطق» للعلامة محمد رضا المظفر من بين المناهج الدراسية ...

 

بقلم: خلیل آقائی[1]

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

قلم الكاتب مرآة تعكس صورة نفسه وخصوصية خصاله٬ ويصدق هذا على ما يرشح عن هذا القلم من تأليف وشرح وحاشية ويقدّم لنا جملة فوائد منها فهم المقاربة النقدية ...

 

"دراسة تحليلية"

بقلم: حسن عبدی­پور[1]

اصغر میرزاپور[2]

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

لا شكّ في أنّ سيرورة الأبحاث التاريخية وتكوين الآراء بشأن نشأة التيارات والفرق الإسلامية والانشقاقات التي حدثت في ...

 

"الملا عبد الله الیزدي وآل الملالي"

بقلم: أحمد جنت امانی*

ترجمة: حسين صافي

 

ملخص:

آل «الملالي» لقب أطلق على أسرة الملا عبد الله البهابادي اليزدي٬ التي أنجبت على مدى ثلاثة قرون أي من أواخر ...

بقلم: محمدحسین متقیان[1]

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

التوحيد هو المحور الذي تدور حوله تعاليم الإسلام وأهم رسالة في القرآن الكريم. ويتجلّى ذلك بوضوح في آيات القرآن والأحاديث٬ بحيث أنّ ثلث الآيات ذات صلة ...

"حاشیة على حاشية الشرح الجديد للتجريد"

تجليات الكلام والحكمة البرهانية عند العلامة عبد الله البهابادي

 

بقلم: عبدالرحیم شهریاری

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

يتناول المقال بالبحث والتمحيص كتاب حاشية ...

بقلم: الدكتور حسن عبدي پور

ترجمة: حسين صافي

 

ملخص

 

في هذا المقال نحاول بالاستعانة بأسلوب التحليل المفهومي النظري للمصطلح العلمي «استراتيجية» و«أصول عملية اختيار الاستراتيجية» في إطار الفكر ...

 

 

معارف الرجال

نویسنده    محمد حرزالدین

تاریخ نگارش    قرن چهاردهم

موضوع   تراجم

زبان عربی

مجموعه   ۳ جلدی

اطلاعات نشر

ناشر کتابخانه آیت الله مرعشی نجفی

تاریخ نشر ۱۳۶۵ق

 

مَعارِفُ ...

بقلم: حامد صدر[1]

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

قالوا في تعريف علم المنطق بأنّه: تعليم القواعد العامة للتفكير الصحيح حتى ينتقل الذهن إلى الأفكار الصحيحة في جميع العلوم. لقد عنيت الحضارة الإسلامية بهذا ...

بقلم: رضا عیسی نیا[1]

ترجمة: حسين صافي

ملخص

تتنازعنا ثلاثة أحاسيس٬ الإحساس بالماضي٬ والإحساس بالراهن٬ والإحساس بالمستقبل٬ ولكن٬ أيّ ضرورة تجعلنا أن نتّخذ من الإحساس بالراهن نقطة شروع٬ في وقت يحلّق ...

الدكتور حسن عبدي پور

تاريخ الحضرة العلوية المطهرة

يُعزى شرف مدينة النجف الأشرف وقدسيتها إلى وجود الحرم الطاهر لمولى المتّقين الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فيها٬ وكان الإمام (ع) ...

موقع القضية الطبيعية من منظار الملا عبد الله اليزدي

بقلم: محمد حسین ایراندوست*

ترجمة: حسين صافي

ملخص

من المعروف أنّ «القضية الطبيعية» هي إحدى الأقسام الأربعة للقضية الحملية باعتبار الموضوع. صدور ...

علی عباس‌پور*

ترجمة: حسين صافي

ملخص

لعلم التفسير مكانة فريدة ليست لأيٍّ من العلوم الإسلامية٬ والإحاطة بمفاهيم القرآن تطلّبت ظهور علوم أولية مثل علم الصرف والنحو والقراءة والبلاغة (المعاني والبيان ...

 

أمیرحسین عرفانی

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

ما فتئ العصر الصفوي منذ القدم وحتى اليوم عرضة لسهام نقد العديد من الكتّاب في الداخل والمستشرقين الأجانب في الخارج٬ وطُرحت آراء وعقائد مختلفة فيما يخصّ ...

المنهج التفسيري للملا عبد الله البهابادي اليزدي

"تفسير درة المعاني في تفسير السورة والفاتحة نموذجًا"

إبراهیم حسن‌ پور*

أصغر میرزاپور**

ترجمة: حسين صافي

ملخص:

الملا نجم‌ الدین عبد الله‌ بن ‌شهاب ...

عظیم عابدینی*

حبیب ‌الله یوسفی**

حسن عبدی بور***

ترجمة: حسين صافي

ملخص

يضمّ التراث العلمي للمفسر الکبیر والفیلسوف الشهیر العلامة الملا عبد الله البهابادي اليزدي مصنّفات في علم التفسير. وذلك ...

 

نبذة:

عاش الحکيم البهابادي اليزدي في عصر الحکومة الصفوية، و إذا أردنا تحليل دور الفکر المهدوي في التحولات الثقافية في عصره يحتاج ذلک إلى تسليط الضوء على الأجواء الفکرية و الثقافية السائدة في ...

«التحشية» و تأثیرها على ازدهار علوم المسلمين

(مع التأکيد على مصنفات الملا عبد الله البهابادي)

محمد تقی ربانی

يتمحور المقال حول موضوع جهود العلماء المسلمين في التحشية على آثار السلف، حيث يبين ...

ابراهیم ابراهیمی

نبذة:

«ارشادالاذهان فی احکام الایمان» واحد من المصادر الفقهية المعتبرة التي کتبت حوله حواشي و شروح کثيرة، منها حاشية العلامة الملا عبد الله البهابادي. و هي حاشیة محض استدلالیة یحتل ...

 

رشید زاده

نبذة:

تعتبر «حاشیة» الملا عبد الله البهابادي الیزدي و «المنطق» للشیخ المظفر من بین المناهج الحوزویة لدراسة علم المنطق و لطالما کان هذان المصدران محط اهتمام طلبة العلوم الدینیة و ...

 

 

علی عباس­پور

نبذة:

یحتاج علم التفسیر إلی بعض العلوم التمهیدیة مثل علم النحو و الصرف و القراءة و البلاغة (المعاني، البیان، البدیع) و ذلک من أجل فهم ظاهر القرآن، لأنّ الشیعة تعتقد بأنّ القرآن ...

نبذة:

کان فنّ تدوین التراجم شائعاً في تاریخ الحضارة الإسلامیة لا سیّما في القرون المتأخرة. لقد تکلّم کتّاب التراجم عن معاصریهم و متقدمیهم بحسب طبیعة نظرتهم العلمیة و الظروف التاریخیة الخاصة. یعدّ ...

نبذة:

الکتابة هي انعکاس لشخصیة الکاتب و خصاله، و تنطبق هذه المقولة علی الکتب المستقلة و علی التحشیات و الشروح سواء بسواء، و تعود علینا بفوائد من قبیل فهم رؤیة نقدیة خاصة أو مقبولیة شارح أو محشي ...

 عبدالله پور رضا

نبذة:

العلامة الملا عبد الله البهابادي الیزدي من کبار علماء الشیعة المشهورین في القرن العاشر الهجري و من الضروري القیام بأعمال کثیرة للتعریف بهذه الشخصیة و تکریمها.

عاصر المترجم ...

مریم صمدی

نبذة:

الحديث هو تراث المعصومين (عليهم السلام) و هو إلى جانب القرآن و العقل من المصادر الأولية المعتمدة من قبل العلماء في تفسير الأحکام و کذلک تصحيح العقائد و الأخلاق.

حجت الاسلام و المسلمین بشکانی

لا تخفى على أحد الأهمية التي يوليها الدين الإسلامي الحنيف و المذهب الشيعي للعقلانية و الفکر الاستدلالي. کان لهذا التيار حضور قوي في إيران و لدى الشيعة و قد مرّ بمراحل ...

حسین الأهوازی

ظل کتاب المنطق في «الشفاء» لابن سينا على مر التاريخ موضع اهتمام الشراح من الفريقين. و عدا الشفاء، استحوذت حاشية الملا عبد الله أیضاً في القرون الأخيرة على اهتمام شراح أهل السنّنة و ...

TPL_BACKTOTOP