"الملا عبد الله الیزدي وآل الملالي"
بقلم: أحمد جنت امانی*
ترجمة: حسين صافي
ملخص:
آل «الملالي» لقب أطلق على أسرة الملا عبد الله البهابادي اليزدي٬ التي أنجبت على مدى ثلاثة قرون أي من أواخر القرن العاشر حتى منتصف القرن الثالث عشر الهجري العديد من العلماء والأدباء٬ وكان لها شرف تولّي شؤون الحرم العلوي الطاهر وخزانته٬ بكلمة واحدة٬ تولّي الشؤون العامة الاجتماعية والسياسية والدينية في النجف الأشرف. لا يوجد بحث موسّع حول رجال هذه الأ سرة الذين تولّوا شؤون الحرم العلوي الشريف٬ وهو ما تكفّل به هذا المقال حيث أضاء زوايا كثيرة من نشاطات وإجراءات هذه الأسرة في هذا المجال.
الكلمات المفتاحية: الملا عبد الله البهابادی الیزدی، أسرة الملالي، تولّي شؤون الحرم العلوي.
مقدمة
تعود شهرة أسرة الملالي في العراق٬ قبل كل شيء٬ إلى توليها شؤون الحرم العلوي الطاهر٬ على الرغم من أنّ أفرادًا من هذه الأسرة صاروا علماء وأدباء عظام وأنّ نشاطهم لم يكن محصورًا في سدانة الحرم العلوي الطاهر، لذلك بعد أن نمهّد بمقدمة حول الزيارة والسدانة والخزانة٬ نسلّط الضوء على مقاطع من سيرة الملا عبد الله المتعلقة بسدانة الحرم وبعلومه ومصنّفاته المتعددة٬ بالإضافة إلى سرد تقرير عن مكتبته ومدرسته٬ كما نترجم لمشاهير هذه الأسرة الكريمة.
الزيارة في الثقافة الشيعية
الزيارة في الإسلام بمعناها العام أمر مستحب أوصى بها أئمة الدين وتشمل في معناها أيضًا زيارة القبور وبخاصة إذا قُصد منها قبور أولياء الله ومزاراتهم. يستنبط من الأحاديث والروايات في زيارة قبور الأموات أنّه لا فرق بين زيارة الأحياء والأموات سوى أن لا وسيلة للأحياء لرؤية الأموات. تُجمع كل الفرق والمذاهب الإسلامية٬ عدا إحدى فرق الحنابلة المتأخرة وتدعى الوهابية٬ على شرعية زيارة القبور. فالوهابية تزعم أنّ زيارة المشاهد وقبور أئمة المسلمين بدعة وحرام وذلك بالاستناد إلى حديث في البخاري رواه أبو هريرة مفاده: «لا تشدّوا الرحال إلاّ إلی ثلاثة مساجد: المسجد الحرام و مسجد الرسول و المسجد الاقصی».[1] هذا٬ في حين أنّ سند الحديث المذكور بالإضافة إلى دلالته موضع إشكال. فالكلام في الحديث يدور حول المسجد لا مجرّد الزيارة. من ناحية أخرى أنّ البحث هو في استحباب الزيارة للمساجد الثلاثة أعلاه وليس حصر الزيارة فيها. لقد وردت روايات كثيرة عن الأئمة المعصومين (عليهم السلام) تحثّ على زيارة الأئمة والأولياء والصالحين، فقد روي عن الإمام الصادق (عليه السلام) أنّه قال: «إذا حجّ أحدكم فليختم حجّه بزيارتنا لأنّ ذلك من تمام الحج».[2] كما روي عن الإمام الرضا (عليه السلام) في موضوع الزيارة: «أنّ لكل إمام عهدًا في عنق أوليائه وشيعته وأنّ من تمام الوفاء بالعهد زيارة قبورهم فمن زارهم رغبة في زيارتهم وتصديقًا بما رغبوا فيه كان أئمتهم شفعاؤهم يوم القيامة».[3] هذا٬ بالإضافة إلى أحاديث كثيرة جدًا وصلتنا في فضل الزيارة.[4]
سدانة الحرم والخزانة
السدانة في اللغة منح الولاية والحكم ومتابعة الأمور الموكلة إلى شخص. وفي اصطلاح العتبة المقدسة هو الذي يتولّى شؤون العتبة ويملك تفويضًا تامًا في اتخاذ جميع القرارات المتعلّقة بالهدايا والتحف الخاصة بالعتبة. ومنذ السلطان محمد خدابنده أي بداية القرن الثامن الهجري حتى وقتنا تعاقب على تولّى شؤون سدانة العتبة المطهرة 86 شخصًا.
وتقع مسؤولية اختيار وتعيين سادن العتبة الرضوية المطهرة على عاتق المسؤول الأول في البلاد. وقد حظيت سدانة العتبة الرضوية المقدسة بأهمية بالغة منذ بداية العهد الصفوي وإعلان التشيّع المذهب الرسمي للدولة في إيران وصار تعيين السادن في عهد الشاه. بالإضافة إلى العتبة الرضوية المقدسة في مدينة مشهد٬ فإنّ سائر البقاع المقدسة للشيعة ومزارات أئمتهم لا سيّما العتبات المقدسة في العراق كانت موضع اهتمام ورعاية ملوك الصفوية. فمثلًا٬ خصّ الصفويون مدينة النجف الأشرف والحرم الطاهر للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) برعاية خاصة والتي اكتسبت أصلًا أهمية ورونقًا منذ هجرة الشيخ الطوسي إليها في عام 449هـ.[5] وتجسّدت هذه الرعاية في إجراءات توسعة الحرم الطاهر بالإضافة إلى عمران المدينة وإحيائها. ومن بين الإجراءات التي اتّخذها الصفويون تغيير سدانة العتبات المقدسة في العراق والحرم العلوي الطاهر٬ حيث كان التقليد السائد حتى ذلك العصر تولّي السادة الأشراف والنقباء سدانة العتبات المقدسة٬ ولكن منذ عصر الملا عبد الله البهابادي أقدم الشاه عباس الأول وقبل أن يتولّى عرش الدولة الصفوية على نقل سدانة العتبات من النقباء إلى الملا عبد الله البهابادي ليتولى شؤون الحرم العلوي الطاهر. ومن الأحداث التي شهدتها فترة توليه شؤون السدانة رحلة السلطان مراد الثالث ابن سليم ابن سليمان إلى العراق٬ الذي على الرغم من صراعه مع الدولة الصفوية إلّا أنّه في بعض الموارد أبقى على بعض الإجراءات التي اتّخذها الحكام الصفويون٬ وكان يستقبل سفير الدولة الصفوية باحترام.[6] كما هو معروف كان السلطان العثماني على المذهب السنّي لكنّه مع ذلك زار العتبات المقدسة في العراق ومنها الحرم العلوي الطاهر٬ وفي إحدى رحلاته التقى بالملا عبد الله اليزدي وقد ذُكرت تفاصيل هذا اللقاء في بعض المصادر التاريخية.[7]
سيرة الملا عبد الله
الملا عبد الله الیزدی أحد كبار العلماء والفقهاء الشيعة[8] في القرن الأول من عهد الحكومة الصفوية. ووفقًا لتصنيف بعض المؤرخين فقد صُنّف في الطبقة السادسة لفقهاء ما قبل ظهور الأخباريين.[9]
يُرجع البعض أصل هذه الأسرة إلى البويهيين الذين قدّموا خدمات جليلة للدين والثقافة والمذهب،[10] بيد أنّ العلامة الشیخ محمد حرز الدین النجفی يقول: لم يثبت عندي ذلك.[11] ويكتب المدرس التبریزی عن الملا عبد الله قائلًا: إنّه الملا عبد الله بن شهاب الدین حسین الیزدی، لقبه نجم الدین وأحيانًا كان يعرّف نفسه بأنّه نجم بن شهاب الموسوم بعبد الله. من فحول علماء الإمامية وفطاحل فقهاء الإثني عشرية وأحد تلامذة محمود الشيرازي وصدر الدين الدشتكي٬[12] وكان مرجع العلماء في علوم المعقول والمنقول والأصول والفروع٬ وكان فريد عصره في الورع والتقوى. كان ضليعًا في الفقه لدرجة كان يقول: لو أنّي أركّز جهدي على هذا العلم٬ لاستدللت لمسائله٬ بتوفيق الله تعالى٬ بالبراهين والأدلة العقلية بحيث لا أبقي مجالًا لأيّ شك أو شبهة. كان زميل دراسة للمقدس الأردبیلی والملا میرزا جان الباغنوی٬ وكان أحد أساتذة الشيخ البهائي[13]. من مصنّفاته العلمية:
- التجارة الرابحه؛
- حاشیه استبصار؛
- حاشیه تهذیب المنطق؛
- حاشیه تهذیب المنطق عربی؛[14]
- حاشیه المنطق فارسی؛
- حاشیه شرح شمسیه قطبی؛
- حاشیه مختصر مطول؛
- حاشیه مطول؛
- الدرة السنیه فی شرح الرسالة الالفیه؛
- شرح القواعد.
توفي في سنة 981ھ في العراق في أواخر حكم الشاه طهماسب الصفوي.[15]
النجف الأشرف
تحتضن النجف الأشرف الضريح المطهر لأمیر المؤمنین علی (عليه السلام) وتحظى المدينة بقدسية واحترام خاصين عند الشيعة بل عند جميع المسلمين. ظلّ قبر الإمام علي (عليه السلام) مخفيًا فيها حتى عصر الإمام جعفر الصادق (عليه السلام)٬ وفي عصر الحكومة البويهية بدأت توسعة القبر الشريف وأعمال العمران٬ وبعد هجرة الشيخ الطوسي في سنة 449هـ إلى المدينة المقدسة تأسّست أول حوزة علمية شامخة فيها وقد مضى عليها أكثر من ألف سنة. منذ العصر الصفوي فما بعد خُطّت مرحلة جديدة في تاريخ النجف أصبحت معها من أهم الحواضر في عالم التشيّع بفضل احتضانه لكبار المراجع الدينيين الشيعة.[16]
سادن أم خازن الحرم العلوي؟
ذكرت بعض المصادر أنّ الملا عبد الله كان سادن الحرم العلوي الطاهر٬ والبعض الآخر قال أنّه كان خازنًا للحرم الشريف. ولكن في ضوء ما ورد في العديد من المصادر من أنّه كان سادن الحرم والمسؤول عن شؤونه٬[17] وأنّ خزانة الحرم كانت إحدى المسؤوليات المتفرعة عن منصب السدانة، كما كتب الشيخ محمد حسين حرز الدين: «ولّاه سِدانة الحرم الشریف و الإشراف علی البلد و من هنا شُلّت ید النقیب عن سلطة البلد...»؛[18] أي أنّ الشاه عباس الصفوي نصّبه سادنًا للحرم الطاهر وفوّضه حكومة المدينة٬ وبذلك كُفّت أيدي النقباء الذين كانوا حتى ذلك الوقت سدنة الحرم حكام المدينة٬ أقول في ضوء هذه المعلومات نستنتج أنّ الملا عبد الله البهابادي كان سادن المدينة والخازن الوحيد للعتبة العلوية المطهرة. خلال سفره إلى محافظة يزد ذكر سماحة قائد الثورة الإسلامية هذه الأسرة الكريمة وأثنى على خدماتها مبيّنًا أنّ مكانة الملا عبد الله لم تكن مقتصرة على خزانة العتبة العلوية الشريفة: «لقد أنجبت هذه المنطقة الجرداء في طبيعتها والخصبة برجالها٬ العديد من الشخصيات الفذة في مجال العلوم الإسلامية٬ مثل التفسير والرياضيات والفقه والحديث. وقد قالوا في يزد أنّها «دار العبادة»٬ ولا نبالغ لو قلنا أنّها «دار العلم» أِيضًا ... فمثلًا الملا عبد الله صاحب الحاشية ابن مدينتكم بهاباد هو أستاذ الشيخ البهائي وكان معاصرًا للمقدس الأردبيلي٬ وأستاذ صاحب المدارك في علم المنطق والفلسفة والرياضيات. تعلمون أنّ صاحب المدارك أحد القمم في علم الفقه ومن الفقهاء المتأخرين كان تلميذ الملا عبد الله في العلوم العقلية ... هذا العالم الديني كان في قلب النشاطات السياسية؛ على العكس ممّا يتصوّر البعض اليوم هنا وهناك. عاش في عهد الشاه عباس الصفوي. وعندما سافر الأخير إلى العراق وزار العتبات المقدسة في النجف الأشرف وجد أوضاع المدينة مضطربة فعيّن الملا عبد الله بمنصب سادن الروضة العلوية المقدسة. حينئذ أخذ بزمام الأمور٬ فكان حاكم النجف الفعلي بالإضافة إلى منصبه كخازن للحرم العلوي الطاهر ... والجدير بالذكر أنّ حكومة النجف ظلّت في أسرة الملا عبد الله سنينًا طوالا».[19]
من بين الوظائف التي اضطلع بها الملا عبد الله أثناء تولّيه خزانة الحرم العلوي الطاهر صيانة نفائس المخطوطات والكتب. من المعلوم أنّ مكتبة الحرم الشريف ومنذ عصر البويهيين وحتى اليوم تضم الكثير من النفائس والتحف والهدايا٬ وقد أهدي بعضها قبل وبعد تولّي الملا عبد الله البهابادي سدانة العتبة الشريفة٬ وعلى الرغم من حدثان الدهر والكوارث التي حلّت بالمكتبة إلّا أنّ المخطوطات النفيسة ظلّت محفوظة في هذا المكان إلى يومنا هذا.[20]
آل الملالی
لقد هاجر الملا عبد الله الیزدي إلى النجف الأشرف في الفترة من 960 إلى 970هـ٬ تولّى خلال هذا العقد سدانة الحرم العلوي الطاهر٬ وبدأ في المدينة المقدسة نشاطات واسعة علمية وسياسية واجتماعية كانت مصدر خدمات جليلة. وتقديرًا لحسن أدائه في منصبه٬ فقد أبقى ملوك الصفوية ومن بعدهم حكام الدولة الأفشارية والزندية والقاجارية على المنصب في يد آل الملالي أي في أبناء وأحفاد الملا عبد الله. ومع مرور الوقت نُسخ اسم أسرة الملا عبد الله اليزدي من بعد الملا عبد الله وصارت تُعرف بآل الملالي[21] بدلًا من أسرة البهابادي اليزدي. لقد توزع أفراد هذه الأسرة على مساحة أرض العراق قاطبة لكنّهم تمركزوا بشكل خاص في النجف الأشرف وحواليها٬ وقدّموا خدمات عظيمة. كما أنجبت هذه الأسرة عددًا من العلماء والفقهاء والمفكرين والأدباء٬ وعدا نفر قليل من الأسرة الذي كرّس وقته لمسؤوليات السدانة وحكم النجف٬ فقد اتجه الكثير منهم إلى تبوّء مناصب في أروقة السياسة والعلم والأدب والدين.
في السطور القادمة نسلّط الضوء على بعض مشاهير وأعيان هذه الأسرة الكريمة٬ لنتعرّف عن كثب على المكانة المرموقة التي احتلتها هذه الأسرة في ربوع العراق لا سيّما النجف الأشرف عبر ثلاثة قرون ممّن حظوا بالشهرة والتأثير. طبعًا قبل الولوج في هذا البحث لا بدّ من ذكر نقطة مهمة وهي أنّه بعد أسرة الملالي تولّى السادة الأشراف من آل الرفيعي منصب سدانة الحرم العلوي المطهر٬ واستمرّ الوضع على هذا الحال حتى العصر الحديث٬ ولكن في العقود الأخيرة وإذا ما تجاوزنا فترة تسلّط البعثيين على الحكم في العراق٬ آلت مسؤولية تعيين سدنة الحرم العلوي الطاهر إلى المرجعية الشيعية في النجف المتمثلة في المرجع الأعلى سماحة آية الله العظمى السيد علي السيستاني وذلك بعد بروز سلسلة من المشاكل والقضايا السياسية التي أعقبت سقوط نظام صدام ووقوع العمليات الإرهابية وكذلك خيانة بعض الخدم في داخل العتبة الشريفة.
1. الملا أحمد بن عبد الله
هو نجل الملا عبد الله البهابادي اليزدي٬ وكان من أهل العلم والفضل٬ لم تنتقل سدانة الحرم الشريف إليه٬ بل إلى أخيه عبد المطلب[22] أحد أبناء الملا عبد الله.[23]
2. الملا أحمد بن الملا صالح
هذا الرجل سميّ الشخصية السابقة وحفيد أخوه. بالاستناد إلى الوثائق التاريخية كان يتمتّع بالذكاء والسماحة والكرم.[24]
3. الملا محمد طاهر
أحد أفراد أسرة الملالي المشهورين٬ تولّى سدانة الحرم العلوي الطاهر في سنة 1072 هـ٬ ينقل الشيخ محمد باقر المجلسي صاحب بحار الأنوار أن كرامة علوية عظيمة حدثت في عصر هذا السادن.[25]
4. الملا سلیمان
نجل الملا محمد طاهر الذي مرّ ذكره وكان من مشاهير هذه الأسرة٬ عاشا وابنه سليمان في القرن الثاني عشر الهجري٬ كان الملا سليمان يحضر معركة الخميس٬ وهو منتدى أدبي كان يضمّ الكثير من العلماء والأدباء.[26]
5. الملا محمد طاهر ابن الملا محمود
وهو شخص آخر غير الملا محمد طاهر الذي كان سادن الحرم العلوي الشريف وعاصر العلامة المجلسي. تولّى السدانة في بداية القرن الثالث عشر في سنة 1235 هـ. وهناك عالم آخر في هذه الأسرة اسمه الملا عبد الله تولّى سدانة الحرم العلوي الشريف.[27]
6. الملا محمود
يوجد اثنان بهذا الاسم في آل الملالي٬ أحدهما ابن الملا عبد المطلب والثاني ابن الملا يوسف. عاش الملا محمود بن عبد المطلب في بداية القرن الثالث عشر٬ وقد التقاه السيد عبد اللطیف الشوشتري صاحب تحفة العالم.[28]
7. الملا عبد المطلب
أخو الملا محمود وابن الملا عبد الله ابن الملا طاهر٬ كان عالمًا جليلًا٬ عاش في النصف الثاني من القرن الثاني عشر٬ واستجاز أبا الحسن شريف معتوق صاحب الجواهر.[29]
8 و 9. محسن و محمود
العلامة الشیخ محمد السماوی الأديب النحرير والكاتب الشهير الذي توفي في سنة 1370 هـ وترك مكتبة نفيسة٬ له أرجوزة معروفة عن النجف الأشرف٬ ذكر في بعض أبياتها آل الملالي فخصّص بيتان في تقر يض شخصيتين من هذه الأسرة هما الملا محسن والملا محمود.
يقول في أرجوزته:
و منهم الحماة آل الملا |
|
و مکثروا النوال حتی ملاّ |
مثل الفتی المحسن یوم الجود |
|
و ذی الصلاح و التقی محمود...[30] |
وفي موضع آخر ذكر السماوي هذه الأسرة بقوله «بنو الملا»:
ثم بنو الملا و هم سراة |
|
فی العلم و المجد لهم مشکاة[31] |
10. الملا سلیمان
تولّى نقابة الحرم العلوي المطهر وخزانته بعد مقتل والده في سنة 1242هـ٬ وفي نزاع قبيلتي «الشمرت» و«الزگرت» اصطف إلى جانب الأولى فأدّى ذلك إلى مقتله في سنة 1248 هـ.[32]
11. الملا یوسف
هو نجل الملا سليمان وآخر شخصية مشهورة في آل الملالي. أرّخ البعض سنة وفاته حوالي 1272 هـ وبعض آخر حوالي 1270 هـ. كان أديبًا وفاضلًا وشاعرًا٬ على الرغم من أنّ الجميع كان يخشى حدّة لسانه وشدّة هجوه٬ إلّا أنّ مجلسه كان عامرًا بالعلماء والأدباء والوجهاء. وقد نُقلت ظرائف أدبية وشيّقة عنه وعن جلسائه٬ ذُكرت عنه بعض التصرّفات والخصوصيات غير المحمودة إلّا أنّه يمكن الإشارة إلى مسألة إيجابية في هذا الخصوص وهي أنّه كان يمنع اختلاط الزائرين من النساء والرجال في المرقد العلوي الشريف٬ وذلك بتخصيص يوم معيّن في الأسبوع لزيارة النساء. كما كان يمنع تجوّل النساء في أزقة المدينة وهنّ متبرّجات وإظهار زينتهنّ ولباسهنّ. في زمانه وقعت اضطرابات شديدة وسخط عليه بعض العلماء فاشتعل نزاع كبير بين قبيلتي «الشمرت» و«الزگرت» في النجف الأشرف لتؤول هذه الأحداث في نهاية المطاف إلى عزله من النقابة وسدانة الحرم في سنة 1255 هـ فترك النجف إلى بغداد. وكان ولداه محمود وسليمان والملا يوسف آخر السدنة للحرم الشريف من آل الملالي.[33]
مكتبة ومدرسة الملا عبد الله
في المبحث السابق تحدّثنا عن بعض المشاهير في أسرة الملالي الذي كانت له نشاطات وإجراءات عديدة في حقل الشؤون الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية في النجف الأشرف خاصة فيما يتعلق بأمور الزيارة والسدانة وخزانة الحرم العلوي الطاهر. وهنا ذكر هذه الملاحظة لا يخلو من فائدة وهي أنّه كانت لهذه الأسرة مكتبة نفيسة وعامرة بالكتب القيّمة. وفي ظلّ وجود العديد من المدارس في النجف الأشرف٬ كانت هناك مدرسة خاصة بطلبة العلوم الدينية عُرفت بمدرسة الملا عبد الله منسوبة إلى الجدّ الأعلى للأسرة (الملا عبد الله البهابادي).[34]
ولا يبعد أنّ أحد الحكّام قد شاد هذه المدرسة وأطلق عليها اسم الملا عبد الله٬ أو أنّ الملا عبد الله نفسه قد شادها نظرًا لمنصبه في النقابة والحكومة في هذه المدينة المقدسة، وأنّه كان الأمين على الموقوفات وهدايا الحرم العلوي الشريف فقام ببناء مدرسة من أجل نشر العلم والمعرفة والثقافة.[35] الملاحظة الجديرة بالإشارة بالنسبة لهذه المدرسة هي أنّها والمكتبة من أقدم المدارس والمكتبات التي وصلت إلينا أخبارها٬ على الرغم من أنّه لا يوجد أي أثر لأيّ منهما في وقتنا الحاضر٬ من يدري لعلهما أدمجتا بالحرم الشريف، بيد أنّ المؤرّخ الأستاذ جعفر الخليلي الطهراني لا يستبعد أن تكون كتب مكتبة ومدرسة الملا عبد الله من أنفس الكتب وأقيمها٬ ذلك أنّ استمرار سدانة مشاهير آل الملالي لهذه المدرسة والعلماء والشعراء والفقهاء المنحدرين من هذه الأسرة٬ وكذلك المصنّفات التي صنّفوها أو التي أهديت للمكتبة وكذلك القصائد الكثيرة التي أنشدها فيهم شعراء مدينة النجف وغيرها من البلاد قد زادت من قيمة المكتبة ونفاستها.[36]
خلاصة البحث
في ضوء ما قيل في هذه الورقة حول الملا عبد الله البهابادي اليزدي ونشاطاته في النجف وكذلك سيرته وآل الملالي على مدى ثلاثة قرون نستنتج أنّ الملا عبد الله كان سادن الحرم العلوي الطاهر لكنّ مسؤولياته كانت أبعد من خزانة وسدانة الحرم الطاهر.
كان أغلب أفراد أسرته من العلماء والأدباء٬ وقدّموا خدمات جليلة، وكانت لهذه الأسرة مكانة خاصة ومرموقة في تاريخ النجف الأشرف بعد توليهم شؤون سدانة الحرم من أواخر القرن العاشر حتى منتصف القرن الثالث عشر. وهي مكانة تستحق اهتمامًا أكبر من خلال إنجاز دراسات ميدانية واسعة.
المصادر
- ترکمنی آذر، پروین؛ دیلمیان در گستره تاریخ ایران؛ طهران: منظمة مطالعة وتدوين كتب العلوم الإنسانية الجامعية (سمت)؛ ۱۳۸۴.
- الحرّ العاملی، محمد بن الحسن؛ وسائل الشیعة؛ قم: آل البیت؛ ۱۴۱۴ هـ.
- حرز الدین، محمد؛ معارف الرجال؛ قم: مكتبة آیة الله المرعشی النجفی العامة؛ 1405ھ.
- _________؛ تاریخ النجف الاشرف، قم؛ منشورات دلیل ما؛ ۱۴۲۷ هـ.
- الحسینی الجلالی، محمد حسین؛ مزارات اهل البیت: و تاریخها؛ بیروت: مؤسسة الاعلمی؛ ۱۴۱۵ هـ.
- الدجیلی، جعفر؛ موسوعة النجف الاشرف؛ مطبعة الآداب؛ ١٩٧١م، عربی.
- گرجی، ابو القاسم، تاریخ فقه و فقها، طهران، مؤسسة سمت، ۱۴۲۱ هـ.
- المجلسی، محمد باقر؛ بحار الانوار؛ بیروت: مؤسسة الوفاء؛ ۱۴۰۳ هـ.
- مدرس، میرزا محمد علی؛ ریحانة الادب؛ ج ۱؛ منشورات خیام؛ ط. 3؛ ۱۳۶۹ش.
- مدنی، السید علی خان؛ سلافة العصر؛ قم: مكتب انتشارات اسلامی؛ ۱۴۰۹ هـ.
- مطهری، مرتضی؛ خدمات متقابل ایران و اسلام؛ منشورات صدرا؛ بدون تاريخ.
- مؤسسة الامام الهادی (عليه السلام)؛ جامع زیارات المعصومین:؛ پیام امام هادی (عليه السلام)؛ بدون تاريخ.
- موسویان، السید محمد رضا؛ اندیشه سیاسی شیخ طوسی؛ بوستان کتاب قم (24 مرداد، 1389).
- هوشنگ مهدوی، عبد الرضا؛ تاریخ روایت خارجی ایران؛ طهران؛ مؤسسة امیرکبیر؛ بدون تاريخ.
- ولایتی، علی اکبر؛ پویائی فرهنگ وتمدن اسلام وایران؛ وزارة الخارجية؛ مؤسسة الطباعة والنشر؛ طهران: ۱۳۸۳ش.
- هنری کوربان؛ تاریخ فلسفه اسلامی؛ ترجمة: جواد طباطبائی؛ کویر، ط. 6؛ طهران: ۱۳۸۶ش.
* استاد حوزه و دانشگاه.
[1]. الحسینی الجلالی، محمد حسین؛ مزارات اهل البیت: و تاریخها؛ ص 15.
[2]. المجلسی، محمد باقر؛ بحارالانوار؛ ج 100، ص 254.
[3]. الحرّ العاملی، محمد بن لحسن؛ وسائل الشیعه؛ ج 10، ص 253.
[4]. مؤسسة الامام الهادی (عليه السلام)؛ جامع زیارات المعصومین:؛ صص 57 إلى 67.
[5]. موسویان، السید محمدرضا؛ اندیشه سیاسی شیخ طوسی؛ ص 20.
[6]. هوشنگ مهدوی، عبدالرضا؛ تاریخ روابت خارجی ایران؛ ص 42.
[7]. ولایتی، علی اکبر؛ پویائی فرهنگ وتمدن اسلام وایران؛ ج 3، ص 222.
[8]. مطهری، مرتضی؛ خدمات متقابل ایران و اسلام؛ ص 580.
[9]. گرجی، ابوالقاسم؛ تاریخ فقه و فقها؛ صص 236 و 237.
[10]. ترکمنی آذر، پروین؛ دیلمیان در گستره تاریخ ایران؛ ص 236 إلى 260.
[11]. حرزالدین، محمد؛ معارفالرجال؛ ج 2، ص 6.
[12]. هنری کوربان؛ تاریخ فلسفه اسلامی؛ ترجمة: جواد طباطبائی؛ صص 473 إلى 475.
[13]. مدنی، السید علی خان؛ سلافه العصر؛ ص 490.
[14]. هناك شروح متعددة على هذه الحاشية. منها: أنظر االذریعه، ص 363 و كذلك المخطوطات، الدفتران 11 و 12، ص 195.
[15]. مدرس، میرزا محمد علی؛ ریحانة الادب؛ ج 6، ص 390.
[16]. لمزيد من المعلومات أنظر: پیشینه نجف در تفسیر، حدیث وتاریخ؛ للسید مجتبی بحرینی.
[17]. السدانة الحجاب والستر والخدمة. الرائد، جبران مسعود، ترجمة: رضا انزابی نجاد، ج 1، ص 949.
[18]. حرز الدین، محمد حسین؛ تاریخ النجف الاشرف؛ ج 1، صص 224 و 225.
[19]. كلمة سماحة قائد الثورة في جمع من رجال الدين الأفاضل بمحافظة يزد في سنة 2007م. كذلك أنظر: حرز الدین، محمد حسین؛ تاریخ النجف الاشرف؛ ج 2، صص 274 و 275.
[20]. الخلیلی، جعفر؛ موسوعه النجف الاشرف؛ ج 7، صص 224 ـ 239.
[21]. ثمة جدل حول أصل كلمة ملالی ومن أين اشتقت. يقول المرحوم جعفر آل محبوبه في کتاب ماضی النجف و حاضرها أنّ الملالي مأخوذة من كلمة «الملا» (أنظر: ماضی النجف، أسرة ملالی، الهامش) كما نعلم أنّ ملا هي نفسها مولى لكن بعد تصحيفها صارت تُقرأ ملا. ولذلك فإنّ اللقب الآخر لأسرة الملا عبد الله اليزدي هو «آل الملا».
[22]. عدا هذه الشخصية٬ هناك شخص آخر بنفس الاسم كان يعيش في عصر الشهيد السيد نصر الله الحائري. (الخلیلی، جعفر؛ موسوعه النجف الاشرف؛ ج 3، ص 475.)
[23]. المصدر نفسه؛ ج3، ص474.
[24]. المصدر نفسه.
[25]. المصدر نفسه.
[26]. المصدر نفسه.
[27]. المصدر نفسه، صص 474 و 475.
[28]. المصدر نفسه، ص 475.
[29]. حرز الدین، محمد حسین؛ تاریخ النجف الاشرف؛ ج 2، ص 321. طهرانی، آغا بزرك؛ الذریعه، ج 6، ص 180.
[30]. الخلیلی؛ موسوعه العتبات؛ ج 7، ص 242.
[31]. جعفر الدجیلی؛ موسوعهالنجف؛ ج 5، ص 57.
[32]. حرز الدین، محمد؛ معارفالرجال؛ ج 3، صص 297 و 298 الهامش.
[33]. المصدر نفسه؛ ج3، ص297 ـ 305.
[34]. الخلیلی؛ موسوعهالعتبات؛ ج 7، ص 242.
[35]. الشیخ محمد حرز الدین يقول أنّ اسم هذه المدرسة مدرسة الآخوند بناها الشاه عباس للملا عبد الله٬ وكانت تقع في الطرف الشمالي الغربي من المدينة بالقرب من بيوت السادة الأشرف آل كمونة. (حرز الدین، محمد؛ معارفالرجال؛ ج 2، ص 5.)
[36]. الخلیلی؛ موسوعهالعتبات؛ ج 7، صص 242 و 243.