العلامة الملا نجم ‌الدین عبد الله بن شهاب الدین حسین البهابادي الیزدي المعروف بالملا عبد الله البهابادي الیزدي الفقیه والمنطيق، والعالم الشيعي الفاضل٬ تولد في القرن العاشر الهجري في "بهاباد" على مسافة 210كم جنوب شرق مدينة يزد الإيرانية[1] وتوفي في سنة (981هـ) ودُفن في العتبة العلوية المطهرة. سعى إلى نشر التشيّع وحل مشاكل الشيعة مستفيدًا من علاقاته الوثيقة بالبلاط الصفوي. كان الملا عبد الله الیزدي فطحلًا في علم الفقه والمنطق٬ وصنّف أعمالًا مهمة أهمّها «الحاشية على تهذيب المنطق» المعروف بـ«حاشية الملا عبد الله» فكان أحد أسباب شهرته وذيوع صيته في الحوزات العلمية. كانت له مدارسات مشتركة مع آية الله مقدس أردبيلي لكنّه لم يكن يسعى إلى المرجعية الفقهية٬ وكان يرى أنّ واجبه يتمثّل في نشر العلوم العقلية والنقلية وتقديم الخدمات للحضرة المقدسة للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

تنطوي شخصية العلامة الملا عبد الله البهابادي على أبعاد مجهولة٬ إذ على الرغم من امتداداته السياسية والاجتماعية وتصدّيه لسدانة العتبة العلوية المقدسة٬ ظلّت شخصيته ومكانته العلمية وسيرته العملية محتجبة بالنسبة للمحافل الحوزوية والجامعية حتى يومنا.

نشأ وترعرع في مسقط رأسه بهاباد وأتمّ تحصيل العلوم الأولية فيها٬ بعد ذلك شدّ الرحال إلى مدن إسلامية مثل شيراز وأصفهان سعيًا لتلقّي العلوم الدينية.[2]انكبّ على البحث والتدريس ردحًا من الزمن في جوار الضريح المقدس للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)٬ فأثمرت هذه الفترة عن تصنيف حاشيته الشهيرة على كتاب تهذيب المنطق لسعد الدين التفتازاني.[3]

يقول الأستاذ الشهيد مرتضى مطهري عن الملا عبد الله:

الملا عبد الله الیزدي صاحب الحاشیة على منطق التهذیب المعروفة بحاشية الملا عبد الله وهو منهج دراسي في المنطق يدرّس في الحوزات العلمية. زعم البعض أنّه كان يجهل العلوم الشرعية، لكنّه على العكس من ذلك٬ كان فقيهًا وفي نفس الوقت من أهل المعقول سيّما المنطق. في شيراز درس على أستاذه جمال الدين محمود سابق الذكر وأمير غياث الدين دشتكي.[4]

هذا٬ بالإضافة إلى أنّه درس على مشايخ آخرين نذكر منهم: 1. أمیر غیاث ‌الدین منصور الشیرازي[5]؛ 2. جمال‌ الدین محمود الشیرازي[6]

كانت للملا عبد الله البهابادي مدارسات مع علماء كبار مثل: 1. الملا أحمد الأردبیلي المعروف بالمقدس الأردبیلي؛ 2. المیرزا جان الباغنوي الشیرازي

كما أعدّ الملا عبد الله البهابادي تلامذة مشاهير منهم: 1. الشیخ بهاء ‌الدین محمد بن حسین بن عبد الصمد الحارثي الجبعي عامل المعروف بالشیخ البهائي؛ 2. الشیخ حسن بن زین الدین بن علي بن أحمد العاملي الملقّب بجمال الدین والمكنی بأبي منصور، نجل الشهید الثاني[7] 3. السید محمد بن علي بن حسین الموسوي العاملي الجبعي الملقب بشمس‌ الدین، ابن أخت الشهید الثاني.[8]

كانت تربطه بالدولة الصفوية الشيعية علاقات ومصالح كثيرة٬ وكان ملوك الصفوية لأسباب وعوامل مختلفة دينية وسياسية ومصالح حكومية يكنّون احترامًا وتبجيلًا عظيمين لعلماء الدين الشيعة ويستشيرونهم في العديد من شؤون الدولة. من ناحية ثانية٬ كان العلماء يوظّفون مواقعهم الأثيرة لدى ملوك الدولة الصفوية من أجل نشر مذهب التشيّع. في الحقيقة٬ كان لعلاقاتهم بالملوك الصفويين دور بارز في نشر نفوذ التشيّع واستطاعوا في تلك الفترة أن يخرجوا المذهب من عزلته والاعتراف به كمذهب رسمي للدولة والترويج لعقائده وآرائه٬ وانبرى علماء فطاحل مثل المحقق الثاني والشيخ البهائي والعلامة الكبير المجلسي إلى توجيه دفة سياسات البلاط الصفوي نحو الدعوة للتشيع٬ وقدّموا خدمات جليلة للإسلام والمذهب الشيعي. وكان الملا عبد الله من بين هؤلاء العلماء الذين وظّفوا علاقاتهم الوثيقة بالبلاط الصفوي من أجل نشر عقائد المذهب الشيعي وحل مشاكل الشيعة٬ وأثمرت جهوده عن نتائج عظيمة. وقد عُيّن الملا عبد الله أمينًا لخزانة الحضرة العلوية الشريفة من قبل السلاطين الصفويين. وانتقلت مسؤولية هذا المنصب إلى ذريته من بعده.[9]

المكانة المعنوية والعلمية

كان الملا عبد الله في طليعة علماء عصره في الزهد والتقوى٬ وأطلقت عليه ألقاب كثيرة من قبيل علامة دهره٬ الفقيه المنطيق٬ العالم الفاضل٬ أتقى وأزهد أبناء عصره٬ شارح المنطق المفكر٬ كلّها تدلّ على سمو مكانته وشرف منزلته٬ وعلوّ كعبه ودرجته العلمية والمعنوية.[10]

من بين كرامات الملا عبد الله اليزدي أنّه كان في أصفهان٬ وقد مرّ شطرٌ من الليل٬ فتوجّه بنظرة باطنية إلى مدينة أصفهان وقال لمن معه: شدّوا الرحال سنترك هذه المدينة على عجل٬ إنّي أرى بضعة آلاف من موائد اللهو والشراب قد نُصبت فيها٬ وإذا ما نزل بها عذاب الله فسوف يصيبنا نحن أيضًا. وبالفعل حزم أتباعه متاعهم وركب الملا عبد الله راحلته لترك المدينة.

عند السحر وهو يهمّ بالرحيل مع أصحابه٬ رمق الملا عبد الله مدينة أصفهان مرة أخرى بنظرة باطنية وقال لمن معه: عودوا٬ إنّي أرى بضعة آلاف قائمين على سجاداتهم لإقامة صلاة الليل٬ وقد عدلوا هذه بتلك. فعاد أدراجه إلى المنزل الذي كان يقيم فيه بالمدينة.[11]

لقد خاض الملا عبد الله عباب علم الفقه وبلغ فيه شأوًا بعيدًا حتى صار أحد أساتذته الذين يُشار إليهم بالبنان٬ وكان يقول عن استحقاق وجدارة: إنّي٬ بتوفيق من الله٬ لو شئتُ لخضتُ في جميع مسائل الفقه وقدّمت في شرحها وتوضيحها من الأدلة والبراهين ممّا لا يرقى إليه أيّ شك أو شبهة.[12]

امتدح الكثير من العلماء سيرة الملا عبد الله وأثنوا عليها٬ فهذا الشيخ البهائي يصفه بـ«العلامة اليزدي» في حاشية وتفسير القاضي.[13]

وكتب العالم الكبير السید علي‌ خان في كتاب سلافة ‌العصر عن الملا عبد الله البهابادي: لا يدانيه أحد في العلم والتقوى والفضل٬ صنّف العديد من الكتب المفيدة في علم الفقه وعلم المنطق وغيرها.[14]

وترجم له الملا أمین أحمد الرازي الساكن في الهند في كتابه «تذكره هفت اقلیم» تحت عنوان «مولانا عبد الله»: لم يفتأ يخط بيراعه على صحيفة الأيام٬ حاملًا قصب السبق٬ متقدمًا أقرانه ومجايليه٬ وقد بلغ الغاية في فنون علم الفقه٬ وكان يقول عن استحقاق وجدارة: إنّي٬ بتوفيق من الله٬ لو شئتُ لخضتُ في جميع مسائل الفقه وقدّمت في شرحها وتوضيحها من الأدلة والبراهين ممّا لا يرقى إليه أيّ شك أو شبهة.[15]

ترك الملا عبد الله تراثًا غنيًا من المصنّفات نذكر منها على سبيل المثال:

  1. حاشیة‌ تهذیب‌المنطق لسعد الدین التفتازاني.
  2. شرح تهذیب المنطق بالفارسیة.
  3. حاشیه‌ بر مختصر تفتازانی.
  4. حاشیه‌ بر مطوّل تفتازانی.
  5. التجارة الرابحة فی تفسیر السورة و الفاتحة
  6. شرح قواعد در فقه شیعه.
  7. حاشیه‌ بر حاشیه‌ شریفیه.
  8. حاشیه‌ بر حاشیه بر شرح شمسیه.
  9. الدّرة السنیة فی شرح الرسالة الالفیة الشهیدیة.
  10. شرح العجاله.
  11. حاشیه‌ بر حاشیه‌ شرح جدید تجرید.
  12. حاشیه‌ بر حاشیه‌ شریفیه و جلالیه.
  13. حاشیه بر مبحث جواهر از شرح تجرید.
  14. حاشیه‌ بر مبحث موضوع علم از حاشیه‌ دوانی.

بعد عمر حافل بالجهود الحثيثة والخدمات الجبارة في حقل التعليم والتعلّم أغمض الملا عبد الله البهابادي عينيه عن هذه الدنيا في سنة 981هـ في أواخر حكم الشاه طهماسب الصفوي لينتقل إلى الدار الباقية.[16]

 

[1] . جغرافیای كامل ایران، وزارة التربية والتعليم٬ ج 2 ٬ طهران٬ شركة إيران للطباعة والنشر 1366، ص1371.

[2] . الشرح النفیس لحاشیة الملا عبد الله، السید مصطفی الحسینی المازندرانی، ط. 4، ج 1، قم، مكتبة طباطبایی٬ 1343.

[3] . روضات الجنات، ج 4، ص 229، محمد باقر الخونساری.

[4] . مرتضی مطهری، خدمات متقابل ایران و اسلام، ص ۵۸۰.

[5] . ملا عبد الله افندی، ریاض العلماء، ج 3، ص 191.

[6] . ملا عبد الله بهابادی صاحب حاشیه، احمد ترحمی 1374، ص 56، منشورات بهاباد.

[7] . روضات الجنّات، ج 7، ص 64، المیرزا محمد باقر الخونساری؛ ریحانة الادب، ج 3، ص 393، المیرزا محمد علی مدرس؛ مفاخر اسلام، علی دوانی، ج 4، ص 481؛ گلشن ابرار، ج 1، ص 173.

[8] . ریحانة الادب، ج 3، ص 388، المیرزا محمد علی مدّرس.

[9] . أعیان الشیعة، السید محسن الأمین، الجزءان 2و3 بیروت٬ 1956م، ص 118.

[10] . آخوند ملا عبد الله بهابادی صاحب حاشیه، احمد ترحمی، 1374، منشورات بهاباد.

[11] . قصص العلماء، المیرزا محمد بن سلیمان تنكابنی٬ طهران٬ 1304هـ، ص 174.

[12] . ریحانة الادب، ج 6، ص 390، المیرزا محمد علی مدرس.

[13] . قصص العلماءِ، المیرزا محمد بن سلیمان تنكابنی٬ طهران٬ 1304هـ، ص 174.

[14] . الفوائد الرضویة، الشیخ عباس القمي، صص 249 و 506.

[15] . هفت اقلیم، أمین أحمد الرازی٬ كلكتا، 1963م٬ ، ص 179.

[16] . آخوند ملاعبدالله بهابادی صاحب حاشیه، احمد ترحمّی، ص 108.

TPL_BACKTOTOP