ما سبب أهمية إحياء فكر وسیرة العلامة البهابادي بالنسبة للطائفة الشيعية؟

ما لم يتمكّن علماء الشيعة من تبيين قدرات الدين على خلق الحضارة٬ فلن تتجّه أفكار العالم صوب الرجل الذي سيأتي ويحوّل هذه القدرات من القوة إلى الفعل ويعولمها.

إنّ أفضل عمل للتعجيل بظهور الإمام المهدي (عج) هو شرح قدرة الدين على الخلق الحضاري لشدّ الأنظار والقلوب تجاه المهندس الأعظم٬ إمام العصر والزمان (عج).

ليست الحضارة قالبًا جاهزًا موضوعًا على الرف يمكن أن نتناوله متى شئنا٬ بل يجب على الدين أن ينتج مادتها الأولية٬ ومن ثمّ إعداد رجال صنّاع للحضارة لينطلقوا في مسيرة صنع الحضارة الإسلامية.

منذ عصر البعثة مرورًا بعصر الإمامة وانتهاًء بعصر علماء الشيعة بمختلف مشاربهم مسيرة أمدها 1400 سنة تُوّجت بعصر الإمام الخميني (قدس سره) الذي قاد عملية إرساء أسس النظام الإسلامي وترسيخه.

وفهم هذه المسيرة أمر جدّ مهم.

السؤال الحيوي المطروح هنا هو: في ضوء الرؤية الدقيقة المطروحة في مجال تقييم حضور الفقهاء في المؤسسة الثورية والسياسية للدولة الصفوية٬ والدور الكبير الذي اضطلعوا به في تلك المرحلة التاريخية٬ والتوظيف الأكثري للفرصة التاريخية المتاحة والتي آلت إلى قيام حكومة تمحورت حول الدين وأنجبت خيرة فقهاء الشيعة الذين انخرطوا في المؤسسة السياسية والسلطة الشيعية٬ وفي وقتنا الحاضر أيضًا حيث السلطة بيد فقهاء الشيعة٬ والمراكز العلمية والتعليمية في حوزة التيار المتدين٬ أقول٬ في ضوء كل هذا لماذا لم نبادر إلى اغتنام الفرصة الذهبية المتاحة لاستنفار طاقات الدين وقدراته في عملية صنع الحضارة؟

 

حبذا لو تنتظم رؤيتنا ضمن هذا الإطار٬ فنحلّل المرحلة التاريخية التي عاشها المرحوم العلامة البهابادي ودوره المتألق والفريد في النجف ونطرحه ضمن قالب خاص لنقوم بملأه بعد ذلك.

تسعى الأمانة العامة للمؤتمر التكريمي للعلامة البهابادي اليزدي إلى وضع جميع الأبحاث المتعلقة بهذه الشخصية الفريدة في إطار خاص ورؤية حضارية.

الموضوع الثاني المهم للغاية هو التيار العقلاني الشيعي الأصيل: فإذا تجاهلناه سوف تذهب كل هذه الجهود سدىً ولا يمكن التنبؤ بحجم الضرر الواقع. ذلك أنّ المزية التي تميّز المذهب الشيعي عن سائر المذاهب الإسلامية الأخرى تتلخّص في هذا التعليم الوحياني: عن الإمام موسی بن جعفر (ع) أنّه قال:

«یا هشام إنّ للّه علی الناس حُجّتین: حجّة ظاهرة و حجّة باطنة، فأمّا الظاهرة فالرُسُل والأنبیاء والائمّة (علیهم ‌السّلام) و أمّا الباطنة فالعقول».

وعليه٬ فهذا المذهب يؤمن عمليًا بالتفكّر٬ وهو سرّ غلبته وظهوره على جميع التيارات الفكرية والاجتماعية والثقافية في عصره.

أما إذا تقيّدنا بقيود التيار الأخباري والظواهري وتمحورنا حوله٬ فسنكون في وضع الانفعال دائمًا٬ لأنّه تيار محدود، بينما التيار العقلاني المتفكر الذي وضع أسسه أئمتنا (عليهم السلام) بإمكانه أن يمتصّ جميع هذه الفروع الفكرية الناقصة ويتغلّب عليها ويتجاوزها.

لقد تجلّى نضوج التيار العقلاني الممنهج في المذهب الشيعي في بناء الحضارة الجديدة وهندسة المدينة الحضارية التي تؤول إلى الظهور.

 

على هذا الأساس٬ يضطلع كل معمار في منظومة الفكر العقلاني الشيعي بدور مهم في مسيرة التحولات المفضية إلى قيام الحضارة الإسلامية٬ والعلامة البهابادي اليزدي أحد النجوم الساطعة في هذه العمارة.

الموضوع الثالث:

لا ينبغي أن نحصر جهود العلامة المتمثلة في رحلته إلى شيراز ومن ثمّ إلى أصفهان فالنجف الأشرف وهندسته لبنيان البرهان العقلي الشيعي في إطار التعرّف على سيرته وشخصيته فحسب٬ بل يجب التحرّي عن العوامل التي مكّنته من تعلّم العلوم العقلية الأصيلة في بؤرة التفكر العقلي بشيراز في العصر الصفوي٬ وتماهيه مع أساتذة المدرسة العقلية٬ ومن ثمّ إعداد وتربية تلامذة أفذاذ٬ وبعد ذلك ولوجه المقتدر إلى ميدان تأسيس المدرسة الفكرية٬ ونجاحه في إحراز قصب السبق ليصبح أحد صنّاع الصرح الحضاري الإسلامي.

نعم٬ لقد أصبح مؤسس مدرسة فكرية لتصميم البنى التحتية للعقلانية الشيعية:

(قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ)

فالعلامة كان أحد أبرز بناة توثيق التفكّر. كيف؟

بقدرته على التنظير لهذا الموضوع.

تمثّلت الخدمة الرئيسية التي قدّمها العلامة في أنّه أقام الحوزات العلمية على قاعدة «البرهان».

طبعًا٬ مكانة الخواجة نصير الدين الطوسي وابن سينا (رضوان الله عليهما) في هذا المجال محفوظة٬ ولكن مع ذلك لم يُتح لأيٍّ من تصانيفهما أن تصبح منهجًا دراسيًا في الحوزات العلمية. بينما ظلّ العلامة البهابادي لسنوات طوال رمز التعليم الاستدلالي في الحوزة لما تمتّع به من حسّ ذوقي رفيع وقدرة على معالجة النصوص المنطقية.

حريّ بالحوزات العلمية والجامعات توظيف الخصوصيتين آنفتي الذكر على أحسن وجه.

ووسم مسار الأعمال بصبغة حضارية لتتجلى في قالب مشروع الخطاب الحضاري الإسلامي.

وتسليط الضوء على بناء التيار العقلاني الشيعي الأصيل على يد هذه الشخصية الفذة.

 

TPL_BACKTOTOP